إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية يفتتح مسجد بيت الرحيم، أول مسجد للجماعة في ويلز
لم تُبنَ مساجدنا لإثارة الفتنة أو الفرقة، بل هي مناراتٌ مُشرقةٌ للسلام والمحبة والوئام - حضرة ميرزا مسرور أحمد
في 23/11/2025، ألقى إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية، الخليفة الخامس، حضرة ميرزا مسرور أحمد، الخطاب الرئيس في حفل استقبال خاص أقيم بمناسبة افتتاح مسجد بيت الرحيم في كارديف، ويلز - أول مسجد للجماعة الإسلامية الأحمدية في البلاد.
استُهلت مراسم حفل الاستقبال بتلاوة آيات من القرآن الكريم وترجمتها الإنجليزية، تلتها كلمة تعريفية بالمسجد ألقاها محمد نعمان، أمير الجماعة في المنطقة الجنوبية الغربية، وبعض كلمات الضيوف. ثم ألقى حضرة الخليفة الخطاب الرئيس.
افتتح حضرة الخليفة خطابه بالتعبير عن تقديره العميق لجميع الحاضرين لقبولهم الدعوة والانضمام إلى حفل الافتتاح، مشيرًا إلى أن "حضوركم لهذا الحدث الديني والروحي المحض لدليلٌ على انفتاح قلوبكم وكرم أخلاقكم.".
في البداية، حدد حضرته الأهداف التي يقوم عليها كل مسجد أنشأته الجماعة الإسلامية الأحمدية.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"إن الغرض من هذا المسجد، مثل جميع المساجد الحقيقية، هو أن يكون مكانًا مقدسًا يجتمع فيه الناس لعبادة الله.
علاوة على ذلك، أينما بنينا مسجدًا، فهو أيضًا شهادة على التزامنا تجاه جيراننا ومجتمعنا المحلي. في الواقع، إن الرسالة الراسخة التي تتردد في جميع مساجدنا هي أن هذه المساجد دورٌ للعبادة، كما تعمل أيضًا على تعزيز السلام والمواساة والوئام في جميع أنحاء العالم."
وتابع حضرة ميرزا مسرور أحمد قائلًا:
" لذلك، اليوم، وبنيّة صادقة لتحقيق هذه الأهداف النبيلة، تشعر الجماعة الإسلامية الأحمدية بسعادة غامرة لتمكنها من افتتاح أول مسجد لها في ويلز.
وفقًا لتعاليم الإسلام، عندما يجتمع المسلمون الأحمديون هنا للدعاء لأنفسهم، فإنهم يدعون أيضًا من أجل سلام ورفاهية وأمن جميع الناس".
وخلال الخطاب الرئيس، أشار حضرته إلى أن المفاهيم الخاطئة الشائعة عن الإسلام قد تُثير شعورًا بالريبة لدى السكان المحليين. وتطرق إلى هذه المخاوف مؤكدًا أن هدف المسجد ليس تقسيم المجتمع، بل تعزيز السلام والتفاهم.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"دعوني أطمئنكم في البداية، أن مساجدنا لم تُبنَ لزرع الفوضى أو التحريض على الانقسام، بل هي منارات مشرقة للسلام والمحبة والوئام، وتعكس القيم السلمية الراسخة في ديننا.
في عهد النبي محمد ﷺ، قامت مجموعة من الحاقدين ببناء مسجد بنية سيئة لإلحاق الفوضى والأذى. وبناءً على ذلك، أمر الله تعالى نبيه ﷺ بهدم ذلك المسجد المزعوم."
وتابع حضرة ميرزا مسرور أحمد قائلاً:
"لا تتحقق غاية المسجد ببنائه المادي، بل لا يُحقق المسجد غرضه إلا إذا استُخدم لعبادة الله، ولتجسيد تعاليم الإسلام الحقة في اللطف والمحبة والرحمة للبشرية جمعاء، ولنشر السلام والأمن في المجتمع. لذلك، أؤكد على أن كل من يخشى أن يضرّ هذا المسجد بسلام المجتمع ورفاهه، فليطمئن. إن تعاليم الإسلام سلمية بطبيعتها، لدرجة أن من يسعى لاتباعها لا يمكنه حتى التفكير في أي عمل شرير أو إثارة الفرقة."
وأكد حضرته أن الجماعة الإسلامية الأحمدية كانت دائمًا في الطليعة في تعزيز السلام، راسخة في تعاليمها وتاريخها. وأشار إلى أن "تاريخنا يُثبت أننا حافظنا على حقوق جميع الناس، بغض النظر عن دينهم أو معتقداتهم"، مضيفًا أن الإسلام يُوضح أن عبادة من يتجاهل حقوق الآخرين هي في نهاية المطاف "لا قيمة لها ولا تُرضي الله".
وفي معرض تقديمه للأسس الروحية للعبادة الإسلامية، أوضح حضرته المبادئ القرآنية التي تربط الصلاة بخدمة الإنسانية، مشيرًا إلى أن سورة الماعون في القرآن الكريم توضح أن الصلاة مرفوضة عندما تكون منفصلة عن الرحمة والواجب الأخلاقي.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"في سورة الماعون، الآية 5، يقول الله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ﴾. تحذرنا هذه الآية من أن الله يرفض صلوات بعض الناس. وتوضح الآيات المحيطة بها المقصود بهذا الأمر. ففي الآيات السابقة، يدين الله الذين يتجاهلون حقوق أكثر أبناء المجتمع ضعفًا كالأيتام أو الغارقين في الفقر.
وتشير الآية التالية إلى أن صلوات هؤلاء الناس ناقصة وغير صادقة وتؤدى فقط للرياء أمام الآخرين. تظهر صلواتهم نفاقهم وخداعهم فقط، وبالتالي لن تقبل من الله تعالى."
وأوضح الخليفة أن الآية الأخيرة تُسلّط الضوء على من يرفضون مساعدة المحتاجين، مشيرًا إلى أن أنانيتهم لدرجة أنهم يمنعون الآخرين من مساعدتهم. وأكد أن الدعاء والصلاة لا تُقبلان إلا اقترنتا بخدمة الإنسانية، وهي من تعاليم الإسلام الأساسية.
وتأمل حضرته أيضًا في التوجيهات الواردة في القرآن الكريم، موضحًا أن الله أنار دروب الخير والشر، ومنح البشر القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ. وأشار إلى أنه في حين أن الخيار يعود لكل فرد، فإن هذه التوجيهات الإلهية تُزود كل إنسان ببوصلة أخلاقية داخلية.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"فكما لدينا عيون مادية لرؤية العالم، فإن الله قد حبانا أيضًا بعين روحية داخلية، أي بوصلة أخلاقية نهتدي بها. ولكن، إذا تجاهل الإنسان بوصلته الداخلية واتبع الرغبات الأنانية والدنيوية، فلا له بد أن ينحرف عن الطريق المستقيم ويتبع طريق الشر والمعصية".
وبالانتقال إلى القضايا المعاصرة، تأمل حضرة الخليفة في ظاهرة انتشار العبودية قبل الإسلام، مستشهدًا بالآية 14 من سورة البلد، التي تُشيد بتحرير العبيد. وأوضح أنه على الرغم من انتهاء العبودية الجسدية، لا يزال الاستغلال الاقتصادي يظلم الأمم الضعيفة، مُمهّدًا بذلك الطريق لملاحظاته حول الظلم العالمي.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"جاء الإسلام لإنهاء جميع أشكال العبودية في العالم. قد تتساءلون عما إذا كان مثال العبودية لا يزال ذا صلة اليوم؟ للأسف، نعم. فبينما انتهت العبودية الجسدية، لا يزال هناك شكل آخر من أشكال العبودية، وهو الاستعباد الاقتصادي المستمر في قمع الناس في أنحاء كثيرة من العالم.
فالدول النامية ترزح تحت وطأة ديون مُرهقة، مما يجعلها عاجزة عن منع نهب واستغلال مواردها الطبيعية من قِبل الدول الغنية والقوية. وفي نهاية المطاف، تُملي الدول الغنية سياساتها على هذه الدول الضعيفة. يدين الإسلام مثل هذا الاستغلال باعتباره شكلاً من أشكال العبودية الذي يجب القضاء عليه، لأن مثل هذه الفوارق وهذا الظلم يقوض بلا شك أسس السلام العالمي، وهو ما نشهده اليوم على نحوٍ متزايد".
وتابع حضرة ميرزا مسرور أحمد قائلًا:
"ويأمر القرآن المسلمين بمساعدة الفقير المُلقى على التراب "ذا متربة" تحديدًا. ولهذه الكلمات دلالات عميقة، إذ تعني أن المسلمين مُلزمون بمساعدة المُنهكين، الذين لا يجدون من يُعينهم، والذين نسيهم المجتمع. فبينما لدى بعض الناس عائلات وأصدقاء يُساندونهم، أُمر المسلمون بتحديد من ليس لديهم من يُعينهم ثم مساعدتهم.
اقتصاديًا، يعني هذا أنه إذا وصل شخص إلى الحضيض ولم يجد من يُعينه، فعلى المسلم أن يسعى جاهدًا لمساعدته على النهوض."
وأكد حضرة ميرزا مسرور أحمد أنه إذا اتبعت جميع الأمم، بما فيها الدول الإسلامية، المبادئ الموحدة للقرآن الكريم، فسيمكنها "هدم جدران التفاوت والظلم والجهل المُدمرة". وأشار إلى أن هذا الإجراء من شأنه أن يعزز الرحمة والتفاهم بين المجتمعات، ويحقق السلام والأمن الحقيقيين. وأكد أن هذه القيم قابلة للتطبيق عالميًا، وأن كل من يعمل بها - مسلمًا كان أم غير مسلم - يُسهم في بناء عالم أكثر انسجامًا، وهي مهمة جوهرية في عمل الجماعة الإسلامية الأحمدية.
وانطلاقًا من موضوع المساجد كمراكز للرحمة والخدمة، أكد الخليفة على البعد العالمي للإسلام، قائلاً: "نحن ندعو جميع الناس، بغض النظر عن دينهم أو معتقداتهم، للانضمام إلينا في جهودنا في إرساء السلام والتسامح والتفاهم المتبادل بين جميع الناس في العالم."
وأوضح أيضًا أن المسلمين ملزمون بإظهار المواساة والدفاع عن حقوق جميع الناس، من الوالدين والأقارب إلى الجيران والأيتام والمحتاجين والرفقاء وأبناء السبيل ومن في رعايتهم، كما هو موضح في سورة النساء، الآية 37 من القرآن الكريم.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"القرآن الكريم مليء بالمبادئ الإنسانية، وهو يوجه المسلمين للتحلي بأسمى الأخلاق، وللالتزام بالقانون والسعي لخدمة المجتمعات التي يعيشون فيها بصدق ومحبة."
وسلط حضرته الضوء على مسؤوليات المسلمين الأوسع، مشيرا إلى أن القرآن الكريم يدعو إلى احترام الحكام، وطاعة القانون، وخدمة الإنسانية.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"القرآن الكريم يعلّم المسلمين احترام قادتهم وحكوماتهم والالتزام بقوانين البلاد. لقد عُلم المسلمون أن الولاء والطاعة لبلادهم هي عناصر جوهرية في دينهم.
وبالتالي، فإن من يرتبط بالإسلام ولو ارتباطًا بسيطًا، يفهم أن إرضاء الله وتحقيق أهداف المسجد لا ينفصلان عن الالتزام بأسمى القيم الأخلاقية وخدمة الإنسانية.
كما قلت، يُؤكد القرآن الكريم بشدة على حقوق الجار. لذا، على كل أحمديٍّ يُصلي هنا أن يُعنى بكم جميعًا وأن يُظهر المواساة والرحمة.."
وتابع حضرة ميرزا مسرور أحمد قائلًا:
"وبالمثل، يجب عليه أن يُظهر المواساة ويُقدم الدعم لكل من يُعاني، بمن في ذلك الأيتام والجياع والضعفاء. علاوةً على ذلك، يجب على كل من يدخل هذا المسجد أن يكون مسالمًا وملتزمًا بالقانون ومطيعًا للسلطات. أنا متأكد من أنكم ستوافقونني الرأي بأنه لا داعي للخوف ممن يتمسكون بهذه القيم."
وفي ختام كلمته، سلط حضرة الخليفة الضوء على كيفية قيام الجماعة الإسلامية الأحمدية بوضع إيمانها موضع التنفيذ من خلال خدمة الإنسانية عن طريق المبادرات الإنسانية العملية في جميع أنحاء العالم.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"دعوني أوضح أيضًا أن الجماعة الإسلامية الأحمدية لا تلقي الادعاءات أو التصريحات بهدف التأثير على الآخرين، بل نحن عازمون على العمل بتعاليمنا وتحقيق متطلبات ديننا. باختصار، نحن نطبق ما ندعو إليه. على سبيل المثال، أنشأنا مستشفيات ومخيمات طبية لعلاج الفقراء والمحتاجين في العالم النامي، وهي تخدم الناس دون تمييز للدين أو المعتقد. ويُعامَل من لا يؤمن بالله أو يرفض قيمنا أو معتقداتنا بنفس الرعاية والمحبة والمواساة التي نعامل بها أبناء جماعتنا".
وتابع حضرة ميرزا مسرور أحمد قائلاً:
"وبالمثل، نوفر مياه شرب نظيفة في المناطق النائية من العالم من خلال تركيب مضخات المياه والآبار. هنا، في العالم الغربي، لا يُدرك الناس القيمة الحقيقية للمياه، ولا يُدركون مدى صعوبة الحصول عليها من قبل بعض الناس في البلدان المحرومة. فبدلاً من الذهاب إلى المدرسة، يضطر العديد من الأطفال إلى المشي لمسافات طويلة لجلب الماء لعائلاتهم يوميًا. وهذا يُؤثر سلبًا على مستقبلهم، مما يعني أنه بدون مساعدة، ستستمر حلقة الفقر التي وُلدوا فيها. ولذلك، نُحدد المناطق ذات الحاجة المُلحة، ونُرسل مهندسينا وخبرائنا لتوفير المياه لهم في منازلهم أو على أعتاب منازلهم. تُنفذ هذه المشاريع الإنسانية، التي تُغير حياة الناس، في أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية وغيرها من المناطق النامية. كما أنشأنا دورًا للأيتام، توفر المأوى والحب والرعاية لعدد من أكثر أطفال العالم ضعفًا."
وأكد حضرته أيضًا على التزام الجماعة الإسلامية الأحمدية بالتعليم والدعم المحلي، مسلطًا الضوء على كيفية امتداد هذه الجهود عالميًا وداخل المملكة المتحدة.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"وفيما يتعلق بالتعليم، أنشأنا مئات المدارس في جميع أنحاء الدول النامية، تُقدم التعليم الابتدائي والثانوي دون تمييز. لا يهم إن كان طلابنا مسيحيين أو يهودًا أو مسلمين أو ملحدين أو أي معتقد آخر. فلكل طفل قيمة وأهمية لا تُقدر بثمن. وبفضل الله، تُواصل الجماعة الإسلامية الأحمدية جهودها في خدمة الإنسانية، ويشمل ذلك دعم الجمعيات الخيرية المحلية والمشاريع المجتمعية في جميع أنحاء المملكة المتحدة.
طموحنا ودافعنا الوحيد هو تخفيف المعاناة وتمكين الناس من عيش حياتهم بكرامة.."
وأكد حضرة الخليفة في كلمته أن المسجد سيكون بمثابة منارة حقيقية للنور، تنشر رسالة السلام والأمن لجميع الناس، بغض النظر عن معتقداتهم، وترمز إلى أن "خدمة الله وخدمة الإنسانية تسيران جنبًا إلى جنب".
وقبل ختام كلمته، ذكّر حضرته المسلمين الأحمديين في المنطقة بمسؤوليتهم في العيش وفقًا لتعاليم الإسلام الشاملة والنبيلة. وأكد أنه في حين أن من واجبهم عبادة الله في المسجد والدعاء من أجل السلام، فإن عليهم أيضًا السعي الجاد لتحقيقه والاستعداد للتضحية من أجل خير البشرية. وشجعهم على أن يثبتوا من خلال أفعالهم أن السلام والمحبة والاحترام والوحدة هي السبل الوحيدة لبناء مجتمع خالٍ من الفوضى والانقسام.
قال حضرة ميرزا مسرور أحمد:
"بعد أن فتح هذا المسجد أبوابه، أدعو الله من كل قلبي أن لا يؤدي من يدخله متطلبات عبادة الله فحسب، بل أيضًا احتياجات البشرية جمعاء.
بهذه الكلمات، أتقدم إليكم جميعًا بخالص الشكر على انضمامكم إلينا هذا المساء. وأسأل الله أن يمنّ عليكم جميعًا بالسلام والسعادة. آمين".
وفي وقت سابق، وخلال كلمات الضيوف، أعربت جانيت ديفيز، رئيسة شرطة غلامورغان، عن تقديرها لمساهمات الجماعة الإسلامية الأحمدية في المنطقة.
وهنأت وزيرة الدولة لشؤون ويلز، جو ستيفنز، الجماعةَ على افتتاح المسجد، وأشادت بعملها الخيري ومبدأها التوجيهي "الحب للجميع، ولا كراهية لأحد".
ووصفت جين هوت، وزيرة العدل الاجتماعي، وممثلة الوزير الأول لويلز، هذه المناسبة بأنها "لحظة فخر تاريخية" ليس فقط للجماعة الإسلامية الأحمدية ولكن لكل شعب ويلز.
قبل حفل الاستقبال، استقبل الخليفة عددًا من كبار الشخصيات، وأزاح الستار عن اللوحة التذكارية، وأمّ الحضور في الدعاء الصامت.
وفي ساحة المسجد، غرس حضرته شجرة. ثم توجه إلى المسجد، حيث أمّ أبناء الجماعة في الصلاة.